منوعات

هل تستطيع بغداد وبيروت تجاوز “قيصر” لتنفيذ الإتفاقيات؟

عقد كبيرة أمام البلدين أهمها تهدّد لبنان بالعقوبات

لم تعُد الحلول المؤقّة أو الجُزئيّة تُشفي غليل اللبنانيّين أو تضع حداً للأزمات المتراكمة عبر عقود سابقة. فلُبنان يحتاج إلى خطة شاملة اقتصاديّة ماليّة اجتماعيّة نقدية لإنقاذه من الإنهيار التدريجي الذي يواجهه.

لكن يبدو أنّ الحلول الجذرية المتمثلة بتأليف حكومة جديدة وإنجاز الإصلاحات الضرورية للتفاوض مع صندوق النقد الدولي والحصول على المساعدات المالية، باتت مؤجلة إلى أجل غير مسمى، رغم المناخ التفاؤلي الذي رافق الإعلان عن أفكار يعمل على إنضاجها رئيس  مجلس النواب نبيه بري لتأليف الحكومة لم تصل إلى مستوى مبادرة حتى الآن.

وحتى ذلك الحين تعكُف بعض الجهات السياسية الداخلية، وعلى رأسها حزب الله بالتعاون مع قوى ودول في المنطقة، على دراسة خيارات اقتصادية عدة لتخفيف حدة الأزمات وتأجيل الإنهيار المحتوم والإنفجار الاجتماعي الكبير؛ وذلك عبر جملة اتفاقات تجارية يوقّعها لبنان مع بعض الدول لا سيّما العراق، كان السيد حسن نصرالله قد أشار إليها خلال خطابه ما قبل الأخير. أي خيار التوجه شرقاً إذا ما استمر الحصار والضغط على لبنان. ومن هذه الخيارات، التفاوض مع العراق لإبرام اتفاقيات على المستوى النفطي والصحي والزراعي والصناعي والأكاديمي، علّها تُخفّف ضغط الأزمات الاقتصادية عن لبنان.

الوفد العراقي بحث كيفية تطبيق الإتفاقيات

وفي هذا السياق، أتت زيارة الوفد العراقي برئاسة وزير الصحة العراقي حسن التميمي للبنان حيث التقى الرئيس بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب. وتناول البحث بحسب مصادر وزارية لـ”أحوال” كيفية وضع أطر تنظيمية تنفيذية لاتفاقية الإطار الذي يتضمن اتفاقيات على الصعيد الزراعي والصحي والسياحة والإعلام والأكاديميا والتربية.

كما استعرض الوفد العراقي والمسؤولون اللبنانيّون المشاكل اللوجستية التي تحول دون تفعيل تنشيط تصريف الإنتاج الزراعي والصناعي والدوائي وغيره بين البلدين؛ خاصة في ظل الحصار الجائر المفروض على لبنان والذي يمنع التجارة عبر سوريا المعبر الأساسي المُتاح للبنان.

أما الاتفاقية النفطية فهي الأبرز، حيث تتضمن تبادل النفط مقابل الخدمات الطبية والاستشفائية. إذ من المتوقع أن يوقّع لبنان عقداً مع شركة “سومو” النفطية، مقابل توقيع العراق عقداً مع وزارة الصحة اللبنانية على أن يبدأ التنفيذ خلال أسابيع قليلة. وعلم “موقعنا” أن الرئيس دياب سيزور العراق خلال الأسابيع القليلة المقبلة على رأس وفد وزاري يضم وزراء الصحة والطاقة والزراعة والصناعة والتربية. على أن يوقّع هذه الاتفاقيات بعد وضع اللمسات الأخيرة عليها؛ لكن الجانب العراقي بحسب معلومات “أحوال” شدّد خلال جولته على مبدأ الشفافية بتطبيق الاتفاقيات وذلك بعد التجربة الفضيحة بالطحين الذي أرسله العراق كمساعدات إلى لبنان بعد تفجير مرفأ بيروت، حيث جرى تخزينه في أحد المستودعات في المدينة الرياضية ما أدى إلى تلفه بمياه الأمطار. وبحسب معلومات “أحوال” فقد أبلغ أحد المسؤولين العراقيين المسؤولين في لبنان بأن “العراق سيراقب بدقة تطبيق الإتفاقيات الجديدة”.

 فما هي الأهميّة الاقتصادية لهذه الإتفاقيات؟

الاتفاقية النفطية تخفف الضغط على الدولار

الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة يشير لـ”أحوال” إلى أنّ “الاتفاقيات مع العراق ودول أخرى تشكّل أهمية اقتصادية كبيرة للبنان، لا سيّما على الصعيد النفطي، حيث أن استيراد النفط العراقي سيؤدي إلى تخفيف العجز في ميزان المدفوعات والعجز في مؤسسة كهرباء لبنان، وبالتالي تخفيف الضغط على الدولار. إذ تبلغ كلفة الاستيراد العام حوالي 7 مليار دولار سنوياً، فيما تشكّل الفاتورة النفطية منها حوالي 2 مليار دولار. وهذا يؤدي إلى حلول جزئية لأزمات المحروقات والكهرباء، فضلاً عن انخفاض بأسعار معظم السلع الاستهلاكية. لكن عجاقة يُعدد عقبات عدة أمام إنجاز هذه الإتفاقية:

عقدة تقنية، تتلخّص بأمرين: نوع المحروقات العراقي الذي قد لا يتلاءم مع المواصفات التي يحتاجها لبنان، وطريق الاستيراد التي تُحدد مصير الإتفاقية، إن كان عبر البحر أو البرّ.

والعقدة الثانية سياسية، تتمثل بقانون قيصر المفروض على سوريا.

فهل يستطيع لبنان والعراق تخطي قانون العقوبات الأميركي المفروض على سوريا؟

“قيصر” عقدة أساسية أمام تنفيذ الإتفاقيات

ويضيف عجاقة في هذا الإطار، أنّ “قانون قيصر يشكّل العقبة الأساسية التي تحول دون تنفيذ أي اتفاق بين لبنان وسوريا، أو بين لبنان والعراق. وبالتالي أي تواصل مباشر مع سوريا أو عبرها، يمكن أن يعرّض لبنان إلى عقوبات”.

لكن زيارة الوفد العراقي ليست الأولى من نوعها، فقد سبق وزار وفد عراقي لبنان قبيل تفجير مرفأ بيروت وأبدى استعداده لتوقيع اتفاقيات ممثالة. كما أُعيد الحديث منذ شهرين حول توقيع اتفاقية نفطية بين لبنان والعراق، لكنها جُمِدت بسبب الضغط الأميركي على الحكومة العراقية.  وبعد تسلّم الإدارة الأميركية الجديدة لاحت مؤشرات إيجابية على هذا الصعيد تجلّت بزيارة الوفد الأخيرة إلى بيروت، ما دفع بمصادر مراقبة للقول بإنّ الوفد لم يأتِ إلى لبنان لولا تسهيل أميركي ما. وتفسّر مصادر سياسية ذلك بأنّ الأميركيين قد يتجهوا إلى التخفيف من سياسة العقوبات والضغط على لبنان في إطار قرار أميركي واضح لتهدئة التوتر في المنطقة، للتفرّغ لمواجهة الصين. ولذلك ترجح المصادر التقدم على صعيد المفاوضات مع إيران حول ملفها النووي على أن تُعقد جولة مفاوضات أولى الثلاثاء المقبل بعد انقطاع دام ثلاث سنوات. الأمر الذي قد ينعكس إيجاباً على لبنان وتنفيذ الاتفاقيات بسلاسة مع بغداد.

وفي هذا السياق، قال أحد المسؤولين في الوفد العراقي لـ”أحوال” إنّ “العراق مصمم على توقيع الاتفاقيات مع لبنان وتوقيعها في إطار التكامل والتآخي، ويشدّد على أنّ الحكومتين العراقية واللبنانية ستعملان على تذليل العقد أمام تطبيق الإتفاقية النفطية”.

وبحسب المعلومات أيضاً، فإنّ الوفد العراقي ناقش مع المسؤولين اللبنانيين توسيع اتفاقية الإطار لتشمل سوريا لتسهيل التبادلات التجارية بين العراق ولبنان؛ على أن تجرى مشاورات مع الحكومة السورية لإيجاد فتوى أو تشريع ما لتسهيل تطبيق الإتفاقيات لدعم الاقتصاد اللبناني.

محمّد حميّة

 

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى